موقع مدرسة ميت أبو غالب التجارية المشتركة مشرف الموقع الاستاذ / محمود عطا مع تحيات اسرة الحاسب بالمدرسة مديرة المدرسة / عفت عاشور

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 يناير 2013

الخشوع فى الصلاة



الحمد لله رب العالمين ، الذي قال في كتابه المبين : } وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ (238) { سورة البقرة . وقال عن الصلاة : } وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ( 45 ) {سورة البقرة ، والصلاة والسلام على إمام المتقين ، وسيد الخاشعين، محمد رسول الله ، وعلى آله ، وصحبه أجمعين ، وبعد ،،،

فإن الصلاة أعظم أركان الدين العملية ، والخشوع فيها من المطالب الشرعية ، ولما كان عدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم ، وقال : }ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ( 17 ) { سورة الأعراف ، صار من أعظم كيده : صرف الناس عن الصلاة بشتى الوسائل ، والوسوسة لهم فيها ؛لحرمانهم لذة هذه العبادة ، وإضاعة أجرهم ، وثوابهم . ولما كان الخشوع أول مايرفع من الأرض ، ونحن في آخر الزمان ، انطبق فينا قول حذيفة رضي الله عنه : ( أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ماتفقدون من دينكم الصلاة، ورُبّ مصلٍّ لاخير فيه ، ويوشك أن تدخل المسجد،فلا ترى فيهم خاشعا ) المدارج 1/521 .

ومما يلمسه المرء من نفسه ، ويسمعه من كثرة المشتكين من حوله بشأن قضية الوساوس في الصلاة ، وفقدان الخشوع ؛ تتبين الحاجة إلى الحديث عن هذا الموضوع ، وفيما يلي تذكرة لنفسي، ولإخواني المسلمين، أسأل الله أن ينفع بها : قال الله تعالى : } قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1 ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِم ْخَاشِعُونَ ( 2 ) { سورة المؤمنون ، أي : خائفون ساكنون " والخشوع هو السكون ، والطمأنينة ، والتؤدة ، والوقار ، والتواضع . والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته " تفسير ابن كثير ط. دار الشعب 6/414 . "والخشوع هو : قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع ، والذل " . المدارج 1/520 .

ويروى عن مجاهد أنه قال : " } وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (238) { سورة البقرة ، فمن القنوت : الركود ، و الخشوع ، و غض البصر ، و خفض الجناح من رهبة الله عز وجل " تعظيم قدر الصلاة 1/188. ومحل الخشوع في القلب، وثمرته على الجوارح ، والأعضاء تابعة للقلب ، فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس ؛ فسدت عبودية الأعضاء ، والجوارح ؛ فإن القلب كالملك ، والأعضاء كالجنود له ، فبه يأتمرون ، وعن أمره يصدرون ، فإذا عُزل الملك بفقد القلب لعبوديته؛ ضاعت الرعية،وهي الجوارح .

وأما التظاهر بالخشوع فممقوت ، لأن من علامات الإخلاص : إخفاء الخشوع ، وكان حذيفة رضي الله عنه يقول :"إياكم ، وخشوع النفاق ؛ فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعا ، والقلب ليس بخاشع " وقال الفضيل بن عياض :" كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه" ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين ، والبدن ؛ فقال : يافلان ، الخشوع هاهنا ، وأشار إلى صدره ، لا هاهنا وأشار إلى منكبيه . المدارج 1/521 .

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى ـ مبيّناً الفرق بين خشوع الإيمان ، وخشوع النفاق ـ : " خشوع الإيمان هو : خشوع القلب لله بالتعظيم ، و الإجلال ، و الوقار ، و المهابة ، و الحياء ؛ فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل ، و الخجل ، و الحب ، و الحياء ، و شهود نعم الله ، وجناياته هو ؛ فيخشع القلب لا محالة ، فيتبعه خشوع الجوارح .

و أما خشوع النفاق ، فيبدو على الجوارح تصنعا ، وتكلفا ، والقلب غير خاشع ، و كان بعض الصحابة يقول :" أعوذ بالله من خشوع النفاق ، قيل له : و ما خشوع النفاق ؟ قال : أن يرى الجسد خاشعا ، والقلب غير خاشع " فالخاشع لله ؛ عبد قد خمدت نيران شهوته ، و سكن دخانها عن صدره ؛ فانجلى الصدر ، و أشرق فيه نور العظمة ؛ فماتت شهوات النفس للخوف ، و الوقار الذي حشي به ، و خمدت الجوارح ، و توقر القلب ، و اطمأن إلى الله ، و ذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه ، فصار مخبتا له .

و المخبت : المطمئن ؛ فإن الخبت من الأرض : ما اطمأن ، فاستنقع فيه الماء ، فكذلك القلب المخبت قد خشع ، واطمأن كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماء ، فيستقر فيها ، و علامته أن يسجد بين يدي ربه إجلالا له ، و ذلا ، و انكسارا بين يديه سجدة لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه ... فهذا خشوع الإيمان .

و أما التماوت ، و خشوع النفاق ، فهو : حال عند تكلف إسكان الجوارح تصنعا ، و مراءاة . و نفسه في الباطن شابة ، طرية ذات شهوات ، و إرادات ، فهو يتخشع في الظاهر ، و حية الوادي، و أسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة " كتاب الروح ص:314 ط. دار الفكر - الأردن .

"
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحيئذ تكون راحة له ، وقرة عين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ ... وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ] " تفسير ابن كثير 5/456 والحديث : رواه النسائي ، و أحمد 3/128 وهو في صحيح الجامع 3124 .

وقد ذكر الله الخاشعين، والخاشعات في صفات عباده الأخيار، وأخبر أنه أعد لهم مغفرة ، وأجرا عظيما ، فقال عز وجل : ]إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِين َوَالصَّادِقَات ِوَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِين َ وَالْخَاشِعَات وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ( 35 ) [ سورة الأحزاب 35 .

ومن فوائد الخشوع : أنه يخفف أمر الصلاة على العبد قال تعالى : ] وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ( 45 ) [ سورة البقرة ، " والمعنى : أي مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين :" تفسير ابن كثير 1/ 125 .

والخشوع أمر عظيم شأنه ، سريع فقده ، نادر وجوده خصوصا في زماننا ، وهو من آخر الزمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم :[ أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعا ] قال الهيثمي في المجمع 2/136 : " رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن " وهو في صحيح الترغيب رقم 543 وقال : صحيح .

"
قال بعض السلف : الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك الملوك ، فما الظن بمن يُهدي إليه جارية شلاّء ، أو عوراء ، أو عمياء ، أو مقطوعة اليد والرّجل، أو مريضة، أو دميمة، أو قبيحة، حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح ... فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى ؟! والله طيب لا يقبل إلا طيبا، وليس من العمل الطيب : صلاة لا روح فيها . كما أنّه ليس من العتق الطيب عتق عبد لا روح فيه " المدارج 1/526 .

حكم الخشوع

والراجح في حكم الخشوع أنه : واجب ، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : قال الله تعالى : ]وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ( 45 ) [ سورة البقرة . وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين ... والذم لا يكون إلا لترك واجب ، أو فعل محرّم .

وإذا كان غير الخاشعين مذمومين : دلّ ذلك على وجوب الخشوع ... ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا ، قوله تعالى : ] قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1 ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( 2 ) [- إلى قوله- : ] أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10 ) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 11 ) [ سورة المؤمنون ، أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء : هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه : لا يرثها غيرهم ... وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا ، وهو المتضمن للسكون ، والخشوع (هكذا في الأصل ولعلها الخضوع ) فمن نقر نقر الغراب ؛ لم يخشع في سجوده ، وكذلك : من لم يرفع رأسه في الركوع، ويستقر قبل أن ينخفض ؛ لم يسكن ؛ لأن السكون هو : الطمأنينة بعينها .

فمن لم يطمئن ؛ لم يسكن . ومن لم يسكن ؛ لم يخشع في ركوعه ، ولا في سجوده ، ومن لم يخشع كان آثما عاصيا ... ويدل على وجوب الخشوع في الصلاة : أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد تاركيه كالذي يرفع بصره إلى السماء ، فإنه حركته ورفعه ، وهو ضد حال الخاشع ... " مجموع الفتاوى 22/553-558 .

فضل الخشوع ووعيد من تركه :

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ] رواه أبو داود , وهو في صحيح الجامع 3242 .

وقال عليه الصلاة والسلام _ في فضل الخشوع أيضا _ : [ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ _ وفي رواية : لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ _ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ _وفي رواية : إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ] رواه البخاري ، و مسلم، والنسائي .

وعند البحث في أسباب الخشوع في الصلاة يتبين أنها تنقسم إلى قسمين :

الأول : جلب ما يوجد الخشوع ويقويه .

والثاني : دفع ما يزيل الخشوع ويضعفه . وهو ما عبّر عنه شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله _ في بيانه لما يعين على الخشوع _ فقال : " و الذي يعين على ذلك شيئان : قوة المقتضى و ضعف الشاغل .

أما الأول : قوة المقتضى : فاجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله و ما يفعله ، و يتدبر القراءة ، و الذكر ، و الدعاء ، و يستحضر أنه مناجٍ لله تعالى كأنه يراه . فإن المصلي إذا كان قائما ، فإنما يناجي ربه ، و الإحسان : [ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ] ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة ؛ كان انجذابه إليها أوكد ، و هذا يكون بحسب قوة الإيمان .

و الأسباب المقوية للإيمان كثيرة ، و لهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول : [حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ] رواه النسائي ، و أحمد .

و في حديث آخر قال :[ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ ] رواه أبو داود ، و أحمد ، و لم يقل : أرحنا منها .

أما الثاني : زوال العارض :

فهو الاجتهاد في دفع ما يشغل القلب : من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه ، و تدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة ، و هذا في كل عبد بحسبه ؛ فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات ، و الشهوات ، و تعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها ، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها " مجموع الفتاوى 22/606-607 .

وبناء على هذا التقسيم نستعرض فيما يلي طائفة من أسباب الخشوع في الصلاة :

أولا : الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه: وهذا يكون بأمور منها :

( 1 )
الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها : ويحصل ذلك بأمور منها : الترديد مع المؤذن ، والإتيان بالدعاء المشروع بعده :[ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ] ... والدعاء بين الأذان والإقامة ، وإحسان الوضوء ، والتسمية قبله ، والذكر والدعاء بعده : [ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ] . [ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ ].

والاعتناء بالسواك ، وهو تنظيف ، وتطييب للفم الذي سيكون طريقا للقرآن بعد قليل ؛لحديث:[ طَهِّروُا أَفْوَاهَكُمْ للْقُرْآن ] رواه البزار وقال : لا نعلمه عن علي بأحسن من هذا الإسناد كشف الأستار 1/242 وقال الهيثمي : رجاله ثقات 2/99 وقال الألباني إسناده جيد : الصحيحة 1213 .

وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف ، قال الله تعالى : ] يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ( 31 ) [ سورة الأعراف، والله عز وجل أحقّ من تُزيِّن له ، كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية ، بخلاف ثوب النوم والمهنة .

وكذلك الاستعداد بستر العورة ، وطهارة البقعة ، والتبكير ، وانتظار الصلاة ، وكذلك تسوية الصفوف ، والتراص فيها ؛ لأن الشياطين تتخلل الفُرَج بين الصفوف .

( 2)
الطمأنينة في الصلاة : [ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْمَئِنَّ حَتّىَ يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلى مَوضِعِهِ ] صحح إسناده في صفة الصلاة ص: 134 ط.11 وعند ابن خزيمة نحوه كما ذكر الحافظ في الفتح 2/308 وأمر بذلك المسيء صلاته وقال له : [ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ ] رواه أبو داود . و عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :[ أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ ] ، قالوا : يا رسول الله :وكيف يسرق من صلاته ؟! قال : [ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا ] رواه أحمد ، والحاكم 1/ 229 وهو في صحيح الجامع 997 .

وعن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :[ مثل الذي لا يتمّ ركوعه ، وينقر في سجوده ، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين ، لا يغنيان عنه شيئا ] رواه الطبراني في الكبير 4/115 وقال في صحيح الجامع : حسن. والذي لا يطمئن في صلاته ، لا يمكن أن يخشع ، لأن السرعة تذهب بالخشوع ، ونقر الغراب يذهب بالثواب .

( 3 )
تذكر الموت في الصلاة: لقوله صلى الله عليه وسلم :[ اذكر الموت في صلاتك ، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته ، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها ] السلسلة الصحيحة للألباني 1421، ونقل عن السيوطي تحسين الحافظ ابن حجر رحمه الله لهذا الحديث .

وفي هذا المعنى أيضا : وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه لما قال له:[ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ ]رواه أحمد , وهو في صحيح الجامع رقم 742 . يعني : صلاة من يظن أنه لن يصلي غيرها ، وإذا كان المصلي سيموت ولابد ، فإن هناك صلاة مّا هي آخر صلاة له ، فليخشع في الصلاة التي هو فيها ، فإنه لا يدري : لعلها تكون هذه هي .

( 4 )
تدبر الآيات المقروءة ، وبقية أذكار الصلاة ، والتفاعل معها :

القرآن نزل للتدبر ] كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ( 29 ) [سورة ص ، ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ ، فيستطيع التفكّر ؛ فينتج الدمع ، والتأثر ، قال الله تعالى : ] وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ( 79 ) [ سورة الفرقان . وهنا يتبين أهمية الاعتناء بالتفسير ، قال ابن جرير رحمه الله : " إني لأعجب ممن قرأ القرآن ، ولم يعلم تأويله _ أي : تفسيره _ كيف يلتذ بقراءته " مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر 1/10 .ومما يُعين على التدّبر كثيرا : ترديد الآيات ؛ لأنه يعين على التفكّر ، ومعاودة النظر في المعنى . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقد جاء : أنه صلى الله عليه وسلم : [صَلَّى لَيْلَةً فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا ، وهي : ] إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 118 ) [ سورة المائدة ] رواه ابن خزيمة , وأحمد , وهو في صفة الصلاة ص: 102 .

وكذلك : فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات ، كما روى حذيفة قال :[صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ... يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ] رواه مسلم ، وفي رواية :[صليت مع رسول الله ليلة ، فكان إذا مر بآية رحمة سأل ، و إذا مر بآية عذاب تعوذ ، و إذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح ] تعظيم قدر الصلاة 1/327 وقد جاء هذا في قيام الليل . وقام أحد الصحابة ـ وهو قتادة بن النعمان رضي الله عنه ـ الليل لايقرأ إلا : ] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( 1 ) [ يرددها لا يزيد عليها .رواه البخاري ، وأحمد 3/43 .

وقال سعيد بن عبيد الطائي : " سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر رمضان وهو يردّد هذه الآية : ] فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ( 71 ) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ( 72 ) [ سورة يس " . وقال القاسم : " رأيت سعيد بن جبير قام ليلة يصلي ، فقرأ :] وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ( 281 ) [ سورة البقرة ، فرددها بضعا وعشرين مرة ". وقال رجل من قيس يُكنى : أبا عبد الله : " بتنا ذات ليلة عند الحسن ، فقام من الليل ، فصلى ، فلم يزل يردد هذه الآية حتى السّحر : ] وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ( 18 ) [ سورة إبراهيم ، فلما أصبح قلنا : يا أبا سعيد : لم تكد تجاوز هذه الآية سائر الليل ، قال : أرى فيها معتبرا ، ما أرفع طرفا ولا أردّه إلا وقد وقع على نعمة وما لا يُعلم من نعم الله أكثر " التذكار في أفضل الأذكار للقرطبي ص: 125 .

وكان هارون بن رباب الأسيدي يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الآية حتى يُصبح : ]فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 27 ) [ سورة الأنعام. ويبكي حتى يُصبح. ومما يعين على التدبر أيضا : حفظ القرآن ، والأذكار المتنوعة في الأركان المختلفة ، ليتلوها ويذكرها ؛ ليتفكّر فيها . ولا شك أن هذا العمل ـ من التدبر والتفكر والترديد والتفاعل ـ من أعظم ما يزيد الخشوع كما قال الله تعالى : ] وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ( 109 ) [ سورة الفرقان .

وفيما يلي قصة مؤثرة يتبين فيها تدبره ، وخشوعه صلى الله عليه وسلم ، مع بيان وجوب التفكر في الآيات :فعن عطاء قال :" دخلت أنا ، وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها ، فقال ابن عمير : حدّثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت وقالت : قام ليلة من الليالي فقال: [ يا عائشة : ذريني أتعبّد لربي ] قلت : والله إني لأحبّ قربك ، وأحب ما يسرّك ، فقام ، فتطهر ، ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره ، ثم بكى ، فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال : [ أفلا أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت عليّ الليلة آيات ويل لمن قرأها ، ولم يتفكّر ما فيها : ] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ( 190 ) [ سورة آل عمران " رواه ابن حبّان , وقال في السلسلة الصحيحة رقم 68 : وهذا إسناد جيد .

ومن التجاوب مع الآيات : التأمين بعد الفاتحة ، وفيه أجر عظيم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ] رواه البخاري رقم 747 . وهكذا التجاوب مع الإمام في قوله : سمع الله لمن حمده ، فيقول المأموم : ربنا ، ولك الحمد ، وفيه أجر عظيم ، فعن رفاعة بن رافع الزرقي قال : كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال : [ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ] ، قال رجل وراءه : ربنا ، ولك الحمد حمدا كثيرا ، طيبا ، مباركا فيه ، فلما انصرف قال : [ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ ؟ ]، قال : أنا ، قال : [ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ ] رواه البخاري الفتح .

( 5 )
أن يقطّع قراءته آيةً آية : وذلك أدعى للفهم ، والتدبر ، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله عليه وسلم : [ } بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً _ [ و في رواية _ : [ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ يَقُولُ : } الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ ثُمَّ يَقِفُ } الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ ثُمَّ يَقِفُ ] رواه أبو داود، و الترمذي , وصححه الألباني في الإرواء وذكر طرقه 2/60 . والوقوف عند رؤوس الآي سنّة ، وإن تعلّقت في المعنى بما بعدها .

( 6 )
ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها : كما قال الله عز وجل : } وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ( 4 ) [ سورة المزمل ، وكانت قراءته صلى الله عليه وسلم : [ مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا ] رواه أحمد بسند صحيح صفة الصلاة : ص: 105 . [ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا ] رواه مسلم رقم 733 . وهذا الترتيل ، والترسل أدعى للتفكر والخشوع بخلاف الإسراع والعجلة .

ومما يعين على الخشوع أيضا : تحسين الصوت بالتلاوة ، وفي ذلك وصايا نبوية منها :قوله صلى الله عليه و سلم : [ زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ] أخرجه الحاكم 1/575 و هو في صحيح الجامع رقم 3581 .

وليس المقصود بتحسين الصوت : التمطيط ، والقراءة على ألحان أهل الفسق ، وإنما جمال الصوت مع القراءة بحزن ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ ] رواه إبن ماجه , و هو في صحيح الجامع رقم 2202 .



( 7 )
أن يعلم أن الله يُجيبه في صلاته : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ] رواه مسلم رقم 395 . وهذا حديث عظيم جليل ، لو استحضره كل مصلٍّ ؛لحصل له خشوع بالغ ، ولوجد للفاتحة أثرا عظيما ، كيف لا ؟! وهو يستشعر أن ربّه يخاطبه ، ثم يعطيه سؤله .

وينبغي إجلال هذه المخاطبة ، وقدرها حقّ قدرها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه ] مستدرك الحاكم 1/236 و هو في صحيح الجامع رقم 1538

( 8 )
الصلاة إلى سترة ، و الدنو منها :من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة : الاهتمام بالسترة ، والصلاة إليها ؛ فإن ذلك أقصر لنظر المصلي ، وأحفظ له من الشيطان ، وأبعد له عن مرور الناس بين يديه ، فإنه يشوّش ، ويُنقص أجر المصلي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا ] رواه ابن ماجه ، و هو في صحيح الجامع رقم 651 . وللدنو من السترة فائدة عظيمة ، قال عليه الصلاة والسلام : [ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعْ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَه ُ ] رواه أبو داود ، وهو في صحيح الجامع رقم 650 .والسنّة في الدنوّ من السترة أن يكون بينه،وبين السترة : ثلاثة أذرع ، وبينها ، وبين موضع سجوده : ممرّ شاة ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة .

وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي : بأن لا يسمح لأحد أن يمرّ بينه وبين سترته ، فقال : [ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ] رواه البخاري ، و مسلم . قال النووي رحمه الله تعالى : " والحكمة في السترة : كفّ البصر عما وراءه ، ومنع من يجتاز بقربه .. وتمنع الشيطان المرور ، والتعرض لإفساد صلاته " شرح صحيح مسلم 4/216 .

( 9 )
وضع اليمنى على اليسرى على الصّدر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة : [ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ] رواه مسلم . و [ كان يضعهما على الصدر ] رواه أبوداود ، وانظر : إرواء الغليل 2/71 .

وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنا معشر الأنبياء أمرنا .. أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ] رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم 11485 قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ؛ المجمع 3/155 . وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن : المراد بوضع اليدين إحداهما على الأخرى حال القيام ، فقال :" هو ذلّ بين يدي العزيز" الخشوع في الصلاة لابن رجب ص:21 . و قال ابن حجر رحمه الله تعالى :" قال العلماء : الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث، وأقرب إلى الخشوع" فتح الباري 2/224.

(10)
النظر إلى موضع السجود : لما ورد عن عائشة ، قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى طأطأ رأسه ، و رمى ببصره نحو الأرض ] رواه الحاكم ا/479 وقال صحيح على شرط الشيخين, و وافقه الألباني صفة الصلاة ص 89 . [ و لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج عنها ] رواه الحاكم في المستدرك 1 /479 وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، قال الألباني : وهو كما قالا ؛ إرواء الغليل 2/73

أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا جلس للتشهد : [ يشير بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة , ويرمي ببصره إليها] رواه ابن خزيمة 1/355 رقم 719 وقال المحقق : إسناده صحيح وانظر صفة الصلاة ص: 139 . وفي رواية : [ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ ] رواه أحمد , وأبو داود.

مسألة : وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو : ما حكم إغماض العينين في الصلاة خصوصا ، وأن المرء قد يحس بمزيد من الخشوع إذا فعل ذلك ؟

والجواب : أن ذلك مخالف للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم _ كما تقدّم قبل قليل _ ثم إن الإغماض يفوّت سنة النظر إلى موضع السجود ، وإلى الأصبع . ولكن هناك شيء من التفصيل في المسألة ، فلنفسح المكان للعلامة أبي عبد الله ابن القيم يبين الأمر، ويجلّيه ، قال رحمه الله تعالى : " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه في الصلاة ، وقد تقدّم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ولا يُجاوز بصره إشارته .

وقد يدلّ على ذلك مدّ يده في صلاة الكسوف ؛ ليتناول العنقود لما رأى الجنة ، وكذلك رؤيته النار ، وصاحبة الهرة فيها ، وصاحب المحجن ، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه ، وردّه الغلام والجارية ، وحجزه بين الجاريتين ، وكذلك أحاديث ردّ السلام بالإشارة على من سلّم عليه ، وهو في الصلاة ، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه ، وكذلك حديث تعرّض الشيطان له ؛ فأخذه ، فخنقه ، وكان ذلك رؤية عين . فهذه الأحاديث ، وغيرها : يُستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة .

وقد اختلف الفقهاء في كراهته ، فكرهه الإمام أحمد ، وغيره وقالوا : هو فعل اليهود ، وأباحه جماعة ولم يكرهوه ... والصواب أن يُقال : إن كان تفتيح العين لا يُخلّ بالخشوع ، فهو أفضل . وإن كان يحول بينه ، وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة ، والتزويق ، أو غيره مما يشوّش عليه قلبه ؛ فهنالك لا يُكره التغميض قطعا ، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ، والله أعلم " زاد المعاد 1/293 ط. دار الرسالة . وبهذا يتبين أن السنة عدم الإغماض إلا إذا دعت الحاجة لتلافي أمر يضرّ بالخشوع .

( 11 )
تحريك السبابة : وهذا أمر أهمله كثير من المصلين فضلا عن جهلهم بفائدته العظيمة وأثره في الخشوع قال النبي صلى الله عليه وسلم :[ لَهِيَ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ الْحَدِيدِ ] رواه الإمام أحمد بسند حسن كما في صفة الصلاة ص: 159 . " أي : أن الإشارة بالسبابة عند التشهد في الصلاة أشد على الشيطان من الضرب بالحديد ؛ لأنها تذكّر العبد بوحدانية الله تعالى ، والإخلاص في العبادة ، وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه " الفتح الرباني للساعاتي 4/15 .

ومن أجل هذه الفائدة العظيمة : كان الصحابة رضوان الله عليهم يتواصون بذلك ، ويحرصون عليه ، ويتعاهدون أنفسهم في هذا الأمر الذي يقابله كثير من الناس في هذا الزمان بالاستخفاف والإهمال ، فقد جاء في الأثر ما يلي : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يأخذ بعضهم على بعض . يعني : الإشارة بالأصبع في الدعاء ) رواه ابن أبي شيبة بسند حسن كما في صفة الصلاة ص: 141 وفي المطبوع من أبي شيبة [بأصبع ] انظر المصنف رقم 9732 ج10 ص: 381 ط. الدار السلفية- الهند . والسنة في الإشارة بالسبابة أن تبقى مرفوعة متحرّكة مشيرة إلى القبلة طيلة التشهد .

( 12 )
التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة :

وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني ، والانتقال بين المضامين المتعددة للآيات ، والأذكار ، وهذا ما يفتقده الذي لا يحفظ إلا عددا محدودا من السور _ وخصوصا قصارها _ والأذكار ، فالتنويع من السنّة وأكمل في الخشوع .

وإذا تأملنا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلوه ويذكره في صلاته فإننا نجد هذا التنوع ، ففي أدعية الاستفتاح مثلا نجد نصوصا مثل :[ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ] رواه البخاري،ومسلم ،و أبو داود ، و النسائي، و ابن ماجه، و الدارمي ، و أحمد . [ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ] رواه مسلم ،و الترمذي، و النسائي، و الدارمي ، و أحمد . [سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ ] رواه مسلم . وغير ذلك من الأدعية ، والأذكار . و المصلي يأتي بهذا مرة ، وبهذا مرة ، وهكذا .

وفي السور التي كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاة الفجر نجد عددا كثيرا مباركا مثل: طوال المفصّل : كالواقعة ، والطور ، و ق . وقصار المفصّل مثل : إذا الشمس كورت ، والزلزلة ، والمعوذتين ، و ورد أنه قرأ الروم ، و يس ، والصافات ، وكان يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة والإنسان ... وفي صلاة الظهر : ورد أنه كان يقرأ في كلّ من الركعتين قدر ثلاثين آية ، وقرأ بالطارق ، والبروج ، والليل إذا يغشى .

وفي صلاة العصر : يقرأ في كل من الركعتين قدر خمس عشرة آية ، ويقرأ بالسور التي سبقت في صلاة الظهر ...وفي صلاة المغرب : يقرأ بقصار المفصّل ،كالتين والزيتون ، وقرأ بسورة محمد ، والطور ، والمرسلات ، وغيرها ... وفي العشاء : كان يقرأ من وسط المفصّل كالشمس وضحاها ، وإذا السماء انشقت ، وأمر معاذا أن يقرأ بالأعلى ، والقلم ، والليل إذا يغشى .

وفي قيام الليل : كان يقرأ بطوال السور ، و ورد في سنته صلى الله عليه وسلم قراءة مائتي آية ، ومائة آية ، وخمسين آية ، وكان أحيانا يقصر القراءة .

وأذكار ركوعه صلى الله عليه وسلم متنوعة ، فبالإضافة إلى : [ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ] و [سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ ِ ] كان يقول : [ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ] ويقول :[ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَأَنْتَ رَبِّي خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] . وفي الرفع من الركوع يقول _ بعد : [سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ] _ : [ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ] وأحيانا : [ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ] وأحيانا : [ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ] وكان يضيف أحيانا : [ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ] ويضيف تارة : [ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ] .



وفي السجود _ بالإضافة إلى : [ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ] و [سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ِ ] _ يقول :[ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ] و [ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ] و [ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَأَنْتَ رَبِّي سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ] وغير ذلك .

وفي الجلسة بين السجدتين _ بالإضافة إلى : [ رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ لِي ] _ يقول : [ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ] .

وفي التشهد عدد من الصيغ الواردة مثل : [التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ... الخ ] وكذلك ورد : [التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ... الخ ] وورد : [ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ وَالصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ... الخ ] فيأتي المصلي مرة بهذا ، ومرة بهذا .

وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم عدّة صيغ منها :[ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ] .

وورد أيضا :[ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ] .

وورد : [ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ] .

ووردت صيغ أخرى كذلك والسنة أن ينوّع بينها كما تقدّم ولا يمنع أن يواظب على بعضها أكثر من بعض لقوة ثبوتها أو اشتهارها في كتب الحديث الصحيحة أو لأن النبي صلى الله عيه وسلم علّمها أصحابه لمّا سألوه عن الكيفية بخلاف غيرها وهكذا . جميع ما تقدّم من النصوص والصيغ من كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي اجتهد في جمعها من كتب الحديث .

( 13)
أن يأتي بسجود التلاوة إذا مرّ بموضعه : من آداب التلاوة السجود عند المرور بالسجدة وقد وصف الله في كتابه الكريم النبيين والصالحين بأنهم :] َ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ( 79 ) [ سورة الفرقان , قال ابن كثير رحمه الله تعالى : " أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا ؛ اقتداء بهم ، واتباعا لمنوالهم " تفسير القرآن العظيم 5/238 ط. دار الشعب . وسجود التلاوة في الصلاة عظيم ، وهو مما يزيد الخشوع قال الله عز وجل : ] وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ( 109 ) [سورة الإسراء ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : [ سجد بسورة النجم في صلاته] وعن أبي رافع قال : صليت مع أبي هريرة رضي الله عنه العتمة _ أي : العشاء _ فقرأ : ] إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ ( 1 ) [ فسجد ، فقلت له ، قال: سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه ] رواه البخاري .

فينبغي المحافظة على سجود التلاوة في الصلاة ، خصوصا ، وأن سجود التلاوة فيه ترغيم للشيطان ، وتبكيت له ، وذلك مما يضعف كيده للمصلي ، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ : يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ ] رواه مسلم .

(14)
الاستعاذة بالله من الشيطان : الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبِّس عليه صلاته " و الوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره ، لابد له من ذلك ، فينبغي للعبد أن يثبت و يصبر ، و يلازم ما هو فيه من الذكر ، و الصلاة ، و لا يضجر ، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان : } إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ( 76 ) { سورة النساء ، و كلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه ، جاء من الوسوسة أمور أخرى ، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى ، أراد قطع الطريق عليه ، و لهذا قيل لبعض السلف : " إن اليهود و النصارى يقولون : لا نوسوس قال : صدقوا ، و ما يصنع الشيطان بالبيت الخرب " مجموع الفتاوى 22 / 608 .

"
و قد مثل ذلك بمثال حسن ، و هو ثلاثة بيوت : بيت للملك فيه كنوزه ، و ذخائره ، و جواهره ، و بيت للعبد فيه كنوز العبد ، و ذخائره ، و جواهره ، و ليس جواهر الملك ، و ذخائره ، و بيت خال ، صفر ، لا شيء فيه ، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت ، فمن أيها يسرق ؟ " الوابل الصيب ص: 43 .

"
والعبد إذا قام في الصلاة ، غار الشيطان منه ؛ فإنه قد قام في أعظم مقام ، وأقربه ، وأغيظه للشيطان ، وأشده عليه ، فهو يحرص ، ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه بل لا يزال به يعده ، ويمنّيه وينسيه ، ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهوّن عليه شأن الصلاة ، فيتهاون بها فيتركها . فإن عجز عن ذلك منه ، وعصاه العبد ، وقام في ذلك المقام ، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه ، ويحول بينه وبين قلبه ، فيذكّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها ، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة وأيس منها ، فيذكره إياها في الصلاة ؛ ليشغل قلبه بها ، ويأخذه عن الله عز وجل ، فيقوم فيها بلا قلب ، فلا ينال من إقبال الله تعالى ، وكرامته ، وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل ، الحاضر بقلبه في صلاته ، فينصرف من صلاته ، مثلما دخل فيها بخطاياه ، وذنوبه ، وأثقاله ، لم تخفف عنه بالصلاة ، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها ، وأكمل خشوعها ، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه " الوابل الصيب ص: 36 .

ولمواجهة كيد الشيطان ، وإذهاب وسوسته ؛ أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج التالي : عن عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أنه أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا ] قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي . رواه مسلم .

ومن كيد الشيطان للمصلي : ما أخبرنا عنه صلى الله عليه وسلم ، وعن علاجه فقال :[ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ] رواه البخاري ، و مسلم .

ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله :[ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ] رواه مسلم ، وأبوداود ، والترمذي ، والدارمي ، وأحمد . بل إن كيده ليبلغ مبلغا عجيبا كما يوضحه هذا الحديث : عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيّل إليه في صلاته أنه أحدث ولم يُحدِث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يُحدث ، فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرفن حتى يسمع صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه ] رواه الطبراني في الكبير رقم 11556 وقال في مجمع الزوائد 1/242 رجاله رجال الصحيح .

مسألة : وهناك خدعة شيطانية يأتي بها " خنزب " إلى بعض الخيِّرين من المصلين، وهي محاولة إشغالهم بالتفكير في أبواب أخرى من الطاعات عن الصلاة التي هم بشأنها ، وذلك : كإشغال أذهانهم ببعض أمور الدعوة ، أو المسائل العلمية ، فيستغرقون فيها فلا يعقلون أجزاء من صلاتهم ، وربما لبَّس على بعضهم بأن عمر رضي الله عنه كان يجهِّز الجيش في الصلاة ، ولندع المجال لشيخ الإسلام ابن تيمية يجلي الأمر ، ويجييب عن هذه الشبهة قال رحمه الله تعالى : " و أما ما يروى عن عمر بن الخطاب من قوله : ( و إني لأجهز جيشي و أنا في الصلاة ) فذاك ؛ لأن عمر كان مأمورا بالجهاد ، وهو أمير المؤمنين ، فهو أمير الجهاد ، فصار بذلك من بعض الوجوه : بمنزلة المصلي الذي يصلي صلاة الخوف حال معاينة العدو ، إما حال القتال و إما غير حال القتال ، فهو مأمور بالصلاة ، و مأمور بالجهاد ، فعليه أن يؤدي الواجبين بحسب الإمكان . قال تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ( 45 ) { سورة الأنفال ، و معلوم أن طمأنينة القلب حال الجهاد لا تكون كطمأنينتة حال الأمن ، فإذا قُدِّر أنه نقص من الصلاة شيء لأجل الجهاد ؛ لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد ، و طاعته ؛ و لهذا تخفف صلاة الخوف عن صلاة الأمن ، و لما ذكر الله سبحانه صلاة الخوف قال : } فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ( 103 ) {سورة النساء ، فالإقامة المأمور بها حال الطمأنينة لا يؤمر بها حال الخوف .

ومع هذا : فالناس متفاوتون في ذلك ، فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلاة ، مع تدبره للأمور بها ، و عمر قد ضرب الله الحق على لسانه ، و قلبه ، و هو المحدَّث المُلهم ؛ فلا ينكر لمثله أن يكون مع تدبيره جيشه في الصلاة من الحضور ما ليس لغيره ، لكن لا ريب أن حضوره مع عدم ذلك يكون أقوى ، ولا ريب أن صلاة رسول الله حال أمنه كانت أكمل من صلاته حال الخوف في الأفعال الظاهرة فإذا كان الله قد عفا حال الخوف عن بعض الواجبات الظاهرة ، فكيف بالباطنة ؟ .

و بالجملة : فتفكر المصلي في الصلاة [في] أمر يجب عليه ، قد يضيق وقته ، ليس كتفكره فيما ليس بواجب ، أو فيما لم يضق وقته ، و قد يكون عمر لم يمكن [ لعلها : يمكنه ] التفكر في تدبير جيشه إلا في تلك الحال ، و هو إمام الأمة ، و الواردات عليه كثيرة ، و مثل هذا يعرض لكل أحد بحسب مرتبته ، و الإنسان دائما يذكر في الصلاة ما لا يذكره خارج الصلاة ، و من ذلك ما يكون من الشيطان ، كما أن بعض السلف ذكر له رجل : أنه دفن مالا ، و قد نسي موضعه ، فقال : قم فصل ، فقام فصلى فذكره ، فقيل له ، من أين علمت ذلك ؟ قال : علمت أن الشيطان لا يدعه في الصلاة حتى يذكره بما يشغله ، ولا أهم عنده من ذكر موضع الدفن ،لكن العبد الكيِّس يجتهد كمال الحضور مع كمال فعل بقية المأمور ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم " مجموع الفتاوى 22 / 610 .

( 15 )
التأمل في حال السلف في صلاتهم : وهذا يزيد الخشوع ، ويدفع إلى الاقتداء فـ " لو رأيت أحدهم ، وقد قام إلى صلاته ، فلما وقف في محرابه ، واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين ، فانخلع قلبه ، وذهل عقله " الخشوع في الصلاة ابن رجب ص: 22 . قال مجاهد رحمه الله : " كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء ، أو يلتفت ، أو يقلب الحصى ، أو يعبث بشيء ، أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسيا ما دام في صلاته " تعظيم قدر الصلاة 1/188 .

كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع ، وكان يسجد ، فأتى المنجنيق ، فأخذ طائفة من ثوبه ، وهو في الصلاة لا يرفع رأسه .... وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد ، فانهدم طائفة منه ، فقام الناس ، وهو في الصلاة لم يشعر ... و لقد بلغنا أن بعضهم كان كالثوب الملقى ، و بعضهم ينفتل من صلاته متغير اللون ؛ لقيامه بين يدي الله عز و جل .

وبعضهم : إذا كان في الصلاة ؛ لا يعرف من على يمينه و شماله ... و بعضهم : يصفر وجهه إذا توضأ للصلاة ، فقيل له : إنا نراك إذا توضأت للصلاة تغيرت أحوالك ، قال : إني أعرف بين يدي من سأقوم ... و كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة ؛ يتزلزل ، و يتلون وجهه ، فقيل له : ما لك ؟ فيقول : جاء و الله وقت أمانة عرضها الله على السموات ، والأرض ، والجبال ، فأبين أن يحملنها ، و أشفقن منها ، و حملتُها .... و كان سعيد التنوخي إذا صلى ؛ لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته .... و بلغنا عن بعض التابعين أنه كان إذا قام إلى الصلاة ؛ تغير لونه ، و كان يقول : أتدرون بين يدي من أقف ، ومن أناجي ؟! .... فمن منكم لله في قلبه مثل هذه الهيبة ؟ " سلاح اليقظان لطرد الشيطان " عبد العزيز السلمان ص: 209 .

وقالوا لعامر بن عبد القيس : أتحدّث نفسك في الصلاة ، فقال : أوَ شيء أحبُّ إليّ من الصلاة أحدّث به نفسي ! قالوا : إنا لنحدّث أنفسنا في الصلاة ، فقال: أبالجنة ، والحور ، ونحو ذلك ؟ قالوا : لا ، ولكن بأهلينا ، وأموالنا . فقال : لأن تختلف الأسنّة فيّ أحبُّ إليّ _ أي : لأن يكثر طعن الرماح في جسدي أحبّ إلي من أن أحدّث نفسي في الصلاة بأمور الدنيا _ .

وقال سعد بن معاذ : فيّ ثلاث خصال لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن ، لكنت أنا أنا : إذا كنت في الصلاة لا أحدث نفسي بغير ما أنا فيه ، وإذا سمعت من رسول الله حديثا لا يقع في قلبي ريب أنه الحقّ ، وإذا كنت في جنازة لم أحدّث نفسي بغير ما تقول ويقال لها . الفتاوى لابن تيمية 22/605 .

و قال حاتم رحمه الله : أقوم بالأمر ، وأمشي بالخشية ، وأدخل بالنية ، وأكبّر بالعظمة ، وأقرأ بالترتيل والتفكير ، وأركع بالخشوع ، وأسجد بالتواضع ، وأجلس للتشهد بالتمام ، وأسلّم بالنية، وأختمها بالإخلاص لله عز وجل ، وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني ، وأحفظه بالجهد إلى الموت . الخشوع في الصلاة 27 – 28 .

قال أبو بكر الصبغي : أدركت إمامين لم أُرزق السّماع منهما : أبو حاتم الرازي ، ومحمد بن نصر المروزي ، فأما ابن نصر : فما رأيت أحسن صلاة منه ، لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته ، فسال الدم على وجهه ، ولم يتحرك .... وقال محمد بن يعقوب الأخرم : ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر ، كان الذباب يقع على أذنه ، فلا يذبّه على نفسه ، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته ، وخشوعه ، وهيبته للصلاة كان يضع ذقنه على صدره كأنه خشبة منصوبة . تعظيم قدر الصلاة 1/58 .

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إذا دخل في الصلاة ؛ ترتعد أعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة . الكواكب الدريّة في مناقب المجتهد ابن تيمية لمرعي الكرمي ص: 83 دار الغرب الإسلامي .

قارن بين هذا ، وبين ما يفعله بعضنا اليوم : هذا ينظر في ساعته ، وآخر يصلح هندامه ، وثالث يعبث بأنفه ، ومنهم من يبيع ، ويشتري في الصلاة ، وربما عدّ نقوده ، وبعضهم يتابع الزخارف في السجاد والسقوف ، أو يحاول التعرّف على من بجانبيه . تُرى : لو وقف واحد من هؤلاء بين يدي عظيم من عظماء الدنيا ، هل يجرؤ على فعل شيء من ذلك ؟!

( 16)
معرفة مزايا الخشوع في الصلاة: ومنها :

!
قوله صلى الله عليه و سلم : [ مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ] رواه مسلم .

!
أن الأجر المكتوب بحسب الخشوع ، كما قال صلى الله عليه وسلم : [إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ] رواه الإمام أحمد , وهو في صحيح الجامع 1626 .

!
أنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها ، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه : ( ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ) .

!
أن الأوزار ، والآثام تنحط عنه إذا صلّى بتمام ، وخشوع،كما قال النبي صلى عليه وسلم : [ إن العبد إذا قام يصلي أُتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه ] رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10 وهو في صحيح الجامع . قال المناوي : " المراد أنه كلما أتم ركناً ؛ سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها ؛ تكامل السقوط ، وهذا في صلاة متوفرة الشروط ، والأركان ، والخشوع كما يؤذن به لفظ : " العبد " و" القيام " إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد ذليل " . رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10 وهو في صحيح الجامع .

!
أن الخاشع في صلاته : " إذا انصرف منها ، وجد خفّة من نفسه ، وأحس بأثقال قد وضعت عنه ، فوجد نشاطا ، وراحة ، و روحا ، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ، لأنها قرّة عينه ، ونعيم روحه ، وجنة قلبه ، ومستراحه في الدنيا ، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها ، فيستريح بها ، لا منها ، فالمحبون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا ، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم : [ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ ] رواه أبو داود ، و أحمد ، ولم يقل أرحنا منها .

وقال صلى الله عليه وسلم : [ ... وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ] فمن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، كيف تقرّ عينه بدونها ، وكيف يطيق الصبر عنها ؟ " الوابل الصيّب 37 .

(17)
الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود:

لاشك أن مناجاة الله تعالى ، والتذلل إليه ، والطلب منه ، والإلحاح عليه ؛ مما يزيد العبد صلة بربه، فيعظم خشوعه ، والدعاء هو العبادة ، والعبد مأمور به قال تعالى : }ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( 55 ) { سورة الأعراف ، و [ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ ] رواه الترمذي وحسنه في صحيح الترمذي 2686 .

وقد ثبت الدعاء في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع معينة هي : السجود ، وبين السجدتين ، وبعد التشهد ، وأعظم هذه المواضع السجود ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :[ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ] رواه مسلم . وقال : [...وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ – أي : حريّ وجدير - أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ]رواه مسلم .

ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم في سجوده :[ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ ] رواه مسلم . وكذلك : [ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ] رواه النسائي وهو في صحيح النسائي1067 . وقد تقدّم بعض ماكان يدعو به بين السجدتين . انظر السبب رقم 11 .

ومما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ماعلمناه بقوله : " [إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ] . وكان يقول : [ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ] [ اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا ] وعلّم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول :[ قُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ] .

وسمع رجلا يقول في تشهده : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَقَالَ :[ قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلَاثًا ]

وسمع آخر يقول في تشهده : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : [ تدرون بما دعا ؟ ] قالوا : الله ، ورسوله أعلم ، قال : [ والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى ] وكان من آخر ما يقوله صلى الله عليه وسلم بين التشهد , والتسليم : [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ] " هذه الأدعية وغيرها وتخريجها في صفة الصلاة للعلامة الألباني ص: 163 ط.11 .

وحفظ مثل هذه الأدعية ؛ يعالج مشكلة صمت بعض الناس وراء الإمام إذا فرغوا من التشهد ؛ لأنهم لا يدرون ماذا يقولون .



( 18)
الأذكار الواردة بعد الصلاة : فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة وفائدتها , ولاشك أن من حفظ الطاعة الأولى , وصيانتها : إتباعها بطاعة ثانية ، وكذلك : فإن المتأمل لأذكار ما بعد الصلاة يجد أنها تبدأ بالاستغفار ثلاثا , فكأن المصلي يستغفر ربه عما حصل من الخلل في صلاته , وعما حصل من التقصير في خشوعها فيها ، ومن المهم كذلك الاهتمام بالنوافل , فإنها تجبر النقص في الفرائض , ومنه الإخلال بالخشوع , وبعد الكلام عن تحصيل الأسباب الجالبة للخشوع يأتي الحديث عن :

ثانيا : دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتكدِّر صفوه

( 19)
إزالة ما يشغل المصلي من المكان: عن أنس رضي الله عنه قال : كَانَ قِرَامٌ _ ستر فيه نقش وقيل ثوب ملوّن _ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي ] رواه البخاري .

وعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنه : كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةٍ _ بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع , أو الخزانة _ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَيْهِ فَقَالَ : [ أَخِّرِيهِ عَنِّي ] قَالَتْ : فَأَخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ . رواه مسلم

ويدل على هذا المعنى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة ليصلي فيها رأى قرني كبش فلما صلى قال لعثمان الحجبي :[ إِنِّي نَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَ الْقَرْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ ] أخرجه أبو داود , وهو في صحيح الجامع 2504 .

ويدخل في هذا : الاحتراز من الصلاة في أماكن مرور الناس , وأماكن الضوضاء ، والأصوات المزعجة , وبجانب المتحدثين , وفي مجالس اللغو , واللغط , وكل ما يشغل البصر . وكذلك : تجنب الصلاة في أماكن الحرّ الشديد , والبرد الشديد _ إذا أمكن ذلك _ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإبراد في صلاة الظهر بالصيف ؛ لأجل هذا ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ، ويفعل العبادة بتكرّه وتضجّر ، فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحرّ ، فيصلي العبد بقلب حاضر ، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والإقبال على الله تعالى . " الوابل الصيّب ط. دار البيان ص: 22

( 20)
أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي

فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي خَمِيصَةٍ ذَاتِ أَعْلَامٍ فَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ :[ اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيِّهِ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا فِي صَلَاتِي ] وفي رواية : [ شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ ] وفي رواية :[ كَانَتْ لَهُ خَمِيصَةٌ لَهَا عَلَمٌ فَكَانَ يَتَشَاغَلُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ ] و هذه الروايات في صحيح مسلم . ومن باب أولى : أن لا يصلي في ثياب فيها صور , وخصوصا ذوات الأرواح كما شاع , وانتشر في هذا الزمان .



( 21)
أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه

و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ ] رواه مسلم رقم 560 . فإذا وُضع الطعام , وحضر بين يديه , أو قُدِّم له ، بدأ بالطعام ؛ لأنه لا يخشع إذا تركه , وقام يصلي ونفسه متعلِّقة به , بل إن عليه أن لا يعجل حتى تنقضي حاجته منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : [إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ] وفي رواية : [ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ] رواه البخاري، و مسلم .

( 22)
أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب : لاشكّ أن مما ينافي الخشوع : أن يصلي الشخص , وقد حصره البول , أو الغائط , ولذلك :[ نَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ حَاقِنٌ ] رواه ابن ماجه , وهو في صحيح الجامع رقم 6832 . و الحاقن : أي الحابس البول , والحاقب هو حابس الغائط .

ومن حصل له ذلك فعليه أن يذهب إلى الخلاء ؛ لقضاء حاجته _ ولو فاته ما فاته من صلاة الجماعة _ فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ الْخَلَاءَ وَقَامَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ ] رواه أبو داود , وهو في صحيح الجامع رقم 299 . بل إنه إذا حصل له ذلك أثناء الصلاة , فإنه يقطع صلاته لقضاء حاجته , ثم يتطهر , ويصلي ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ ] رواه مسلم . وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع , ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح .

( 23 )
أن لا يصلي وقد غلبه النعاس : عن أنس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ ] رواه البخاري . أي : فليرقد حتى يذهب عنه النوم ,

وقد جاء ذكر السبب في ذلك : فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ ] رواه البخاري , و مسلم . وقد يحصل هذا في قيام الليل , وقد يصادف ساعة إجابة , فيدعو على نفسه , وهو لا يدري ، ويشمل هذا الحديث : الفرائض أيضا إذا أمِن بقاء الوقت "فتح الباري " .

( 24)
أن لا يصلي خلف المتحدث أو النائم : لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك فقال : [ لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ ] رواه أبو داود , و هو في صحيح الجامع رقم 375 . لأن المتحدث يلهي بحديثه , و النائم قد يبدو منه ما يلهي , قال الخطابي رحمه الله : " أما الصلاة إلى المتحدثين : فقد كرهها الشافعي , وأحمد بن حنبل ؛ وذلك من أجل أن كلامهم يُشغل المصلي عن صلاته " عون المعبود 2/388 .

أما أدلة النهي عن الصلاة خلف النائم فقد ضعّفها عدد من أهل العلم , وقال البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه : باب الصلاة خلف النائم ، وساق حديث عائشة :[ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ ... ] " وكره مجاهد , وطاوس , ومالك : الصلاة إلى النائم ؛ خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته ..." فتح الباري . فإذا أُمن ذلك فلا تُكره الصلاة خلف النائم والله أعلم

( 25 )
عدم الانشغال بتسوية الحصى : عن مُعَيْقِيبٌ :[ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً ] رواه البخاري ، و مسلم .

و في رواية :[ لَا تَمْسَحْ وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ تَسْوِيَةَ الْحَصَى ] رواه أبو داود ، و هو في صحيح الجامع رقم 7452 .والعلة في هذا النهي : المحافظة على الخشوع ؛ ولئلا يكثر العمل في الصلاة . والأَولى إذا كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية ؛ فليسوه قبل الدخول في الصلاة . ويدخل في الكراهية : مسح الجبهة ، والأنف ، وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في ماء ، وطين ، وبقي أثر ذلك في جبهته , ولم يكن ينشغل في كل رفع من السجود بإزالة ما علق , فالاستغراق في الصلاة , والخشوع فيها ينسي ذلك , ويشغل عنه , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا ] رواه البخاري , و مسلم . وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال : ( ما أحب أن لي حمر النعم وأني مسحت مكان جبيني من الحصى ) وقال عياض : كره السلف مسح الجبهة في الصلاة قبل الانصراف _ يعني الانصراف من الصلاة _ . وكما أن المصلي ينبغي أن يحترز مما يشغله عن صلاته _ كما مرّ في النقاط السابقة _ فكذلك عليه أن يلتزم بعدم التشويش على المصلين الآخرين .

( 26 )
عدم التشويش بالقراءة على الآخرين : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ ] رواه أبو داود , و هو في صحيح الجامع رقم 752 . وفي رواية :[ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ ] رواه الإمام أحمد , وهو في صحيح الجامع 1951 .

( 27 )
ترك الالتفات في الصلاة :

لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ ] رواه أبو داود , وهو في صحيح أبي داود .

والالتفات في الصلاة قسمان :

الأول : التفات القلب إلى غير الله عز وجل .

الثاني : التفات البصر : وكلاهما منهي عنه , وينقص من أجر الصلاة ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : [ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ ] رواه البخاري . " ومثل من يلتفت في صلاته ببصره , أو قلبه , مثل : رجل استدعاه السلطان , فأوقفه بين يديه , وأقبل يناديه , ويخاطبه , وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينا , وشمالا ، وقد انصرف قلبه عن السلطان , فلا يفهم ما يخاطبه به ؛ لأن قلبه ليس حاضرا معه , فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟! أفليس أقل المراتب في حقه : أن ينصرف من بين يديه ممقوتا , مبعدا قد سقط من عينيه ، فهذا المصلي لا يستوي , والحاضر القلب , المقبل على الله تعالى في صلاته , الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه , فامتلأ قلبه من هيبته , وذلت عنقه له ، واستحيى من ربه أن يقبل على غيره , أو يلتفت عنه , وبين صلاتيهما ,كما قال حسان بن عطية : إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة ، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض ، وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل والآخر ساه غافل " الوابل الصيب لابن القيم .

و أما الالتفات " لحاجة فلا بأس به ، روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال : [ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ ] قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنْ اللَّيْلِ يَحْرُسُ .

و هذا كحمله أمامة بنت أبي العاص .... وفتحه الباب لعائشة .... و نزوله من المنبر لما صلى بهم يعلمهم .... وتأخره في صلاة الكسوف .... وإمساكه الشيطان , وخنقه لما أراد أن يقطع صلاته ، وأمره بقتل الحية , والعقرب في الصلاة .... وأمره بردّ المار بين يدي المصلي , ومقاتلته .... وأمره النساء بالتصفيق .... وإشارته في الصلاة , وغير ذلك من الأفعال التي تفعل لحاجة ، ولو كانت لغير حاجة كانت من العبث - المنافي للخشوع - المنهي عنه في الصلاة " مجموع الفتاوى 22/559 .

( 28 )
عدم رفع البصر إلى السماء :

وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله صلى الله عليه و سلم :[ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَرْفَعْ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ أَنْ يُلْتَمَعَ بَصَرُهُ ] رواه أحمد , و هو في صحيح الجامع رقم 762 وفي رواية : [مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ] رواه البخاري .وفي رواية : [لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ] رواه مسلم .



( 29 )
أن لا يبصق أمامه في الصلاة : لأنه مما ينافي الخشوع في الصلاة والأدب مع الله , لقوله صلى الله عليه و سلم : [ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى ] رواه البخاري , و مسلم . و قال : [إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا ] رواه البخاري . وإذا كان المسجد مفروشا بالسجاد , ونحوه _ كما هو الغالب في هذا الزمان _ فيمكنه إذا احتاج أن يخرج منديلا , ونحوه , فيبصق فيه , ويردّه .

( 30 )
مجاهدة التثاؤب في الصلاة :

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ ] رواه مسلم . وإذا دخل الشيطان ؛ يكون أقدر على التشويش على خشوع المصلي بالإضافة إلى أنه يضحك من المصلي إذا تثاءب .



( 31)
عدم الاختصار في الصلاة :

عن أبي هريرة قال : [ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ ]رواه البخاري , و مسلم , و أبو داود _ و اللفظ له _ و الترمذي , و النسائي ,و ابن ماجه , و الدارمي , و أحمد . والاختصار هو : أن يضع يديه على خصره ,فعن زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي فَضَرَبَ يَدَيَّ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ : هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ [ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ ] رواه أحمد , و أبو داود , و النسائي , وصححه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء : انظر الإرواء 2/94 . وقد جاء في حديث مرفوع : [ أن التخصّر راحة أهل النار ] _ والعياذ بالله _ رواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا . قال العراقي : ظاهر إسناده الصحة .

( 32 )
ترك السدل في الصلاة :

لما ورد :[ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ ]. رواه أبو داود , و هو في صحيح الجامع رقم 6883 . قال الخطّابي : " السدل : إرسال الثوب حتى يصيب الأرض " . ونقل في مرقاة المفاتيح 2/236: " السدل منهي عنه مطلقا ؛ لأنه من الخيلاء ، وهو في الصلاة أشنع , وأقبح " . وقال صاحب النهاية : " أي يلتحف بثوبيه , و يدخل يديه من داخل فيركع و يسجد . وقيل بأن اليهود كانت تفعله . وقيل السدل : أن يضع الثوب على رأسه , أو كتفه , ويرسل أطرافه أمامه , أو على عضديه , فيبقى منشغلا بمعالجته , فيخلّ بالخشوع بخلاف ما لو كان مربوطا , أو مزررا لا يخشى من وقوعه , فلا يشغل المصلي حينئذ , ولا ينافي الخشوع . ويوجد في بعض ألبسة الناس اليوم من بعض الأفارقة , وغيرهم , وفي طريقة لبس بعض المشالح , والأردية ما يبقي المصلي مشغولا في أحيان من صلاته : برفع ما وقع , أو ضم ما انفلت , وهكذا فينبغي التنبه لذلك . أما النهي عن تغطية الفم , فمن العلل التي ذكرها العلماء في النهي عنه : أنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود . مرقاة المفاتيح 2/236 .

( 33 )
ترك التشبه بالبهائم : لما أن الله كرم ابن آدم , وخلقه في أحسن تقويم ، كان من المعيب أن يتشبه الآدمي بالبهائم , وقد نهينا عن مشابهة عدد من هيئات البهائم , وحركاتها في الصلاة ؛ لما في ذلك من منافاة الخشوع , أو قبح الهيئة التي لا تليق بالمصلي ، فمما ورد في ذلك : [ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ ثَلَاثٍ نَقْرِ الْغُرَابِ وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ وَأَنْ يُوطِنَ الرَّجُلُ الْمَقَامَ الْوَاحِدَ كَإِيطَانِ الْبَعِيرِ ] رواه أحمد . قيل معناه : أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد , مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يغير مناخه , فيوطنه . الفتح الرباني 4/91 . وفي رواية : [ نَهَانِي عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ ] رواه أحمد , وهو في صحيح الترغيب رقم 556 .

هذا ما تيسر ذكره من الأسباب الجالبة للخشوع ؛ لتحصيلها , والأسباب المشغلة عنه , لتلافيها , وإن من عظم مسألة الخشوع , وعلو قدرها عند العلماء ؛ أنهم ناقشوا القضية التالية :

مسألة : فيمن كثرت الوساوس في صلاته ، هل تصح أم عليه الإعادة ؟

قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " فإن قيل : ما تقولون في صلاة من عدم الخشوع ، هل يعتد بها أم لا ؟ قيل : أما الاعتداد بها في الثواب : فلا يعتد بها ، إلا بما عقل فيه منها ، و خشع فيه لربه . قال ابن عباس : ( ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ) .

و في المسند مرفوعا : [إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ] فقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم ، فدل على أن من لم يخشع ؛ فليس من أهل الفلاح ، و لو اعتد له بها ثوابا ؛ لكان من المفلحين . و أما الاعتداد بها في أحكام الدنيا , وسقوط القضاء : فإن غلب عليها الخشوع , و تعقلها اعتد بها إجماعا ، و كانت من السنن و الأذكار عقيبها : جوابر , و مكملات لنقصها . وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها , و عدم تعقلها : فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها ، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد .

و من هذا أيضا اختلافهم في الخشوع في الصلاة , و فيه قولان للفقهاء ، و هما في مذهب أحمد و غيره .

و على القولين : اختلافهم في وجوب الإعادة على من غلب عليه الوسواس في صلاته ، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد , ولم يوجبها أكثر الفقهاء . و احتجوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو و لم يأمره بالإعادة مع قوله : [ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فِي صَلَاتِهِ فيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ]. و لكن لا نزاع : أن هذه الصلاة لا ثواب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه , و خضوعه ، كما قال صلى الله عليه و سلم : [ إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ] و قال ابن عباس : ( ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ) فليست صحيحة باعتبار ترقب كمال مقصودها عليها , و إن سميت صحيحة باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة . مدارج السالكين 1/112 .

و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في الصحيح أنه قال : [إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ فيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ] . قالوا : فأمره النبي في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها ، حتى لم يدر كم صلى بأن يسجد سجدتي السهو ، و لم يأمره بإعادتها ، و لو كانت باطلة - كما زعمتم - لأمره بإعادتها .

قالوا : و هذا هو السر في سجدتي السهو ، ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد ، و كونه حال بينه و بين الحضور في الصلاة ، و لهذا سماها النبي المرغمتين . مدارج السالكين 1/528-530 . فإن أردتم وجوب الإعادة ؛ لتحصل هذه الثمرات , و الفوائد ، فذاك كله إليه إن شاء أن يحصلها , و إن شاء أن يفوتها على نفسه . و إن أردتم بوجوبها : أنا نلزمه بها , و نعاقبه على تركها , و نرتب عليه أحكام تارك الصلاة فلا , و هذا هو أرجح القولين , و الله أعلم .

خاتمة

أمر الخشوع كبير ، وشأنه خطير ، ولا يتأتى إلا لمن وفقه الله لذلك ، وحرمان الخشوع مصيبة كبيرة وخطب جلل , ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : [ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ... ] رواه الترمذي , وهو في صحيح سنن الترمذي 2769 .

والخاشعون درجات ، والخشوع من عمل القلب يزيد , وينقص : فمنهم من يبلغ خشوعه عنان السماء , ومن يخرج من صلاته لم يعقل شيئا " والناس في الصلاة على مراتب خمسة : أحدها : مرتبة الظالم لنفسه المفرط ، وهو الذي انتقص من وضوءها , ومواقيتها , وحدودها وأركانها.

الثاني : من يحافظ على مواقيتها , وحدودها , وأركانها الظاهرة , و وضوءها ، لكنه قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة ، فذهب مع الوساوس والأفكار .

الثالث : من حافظ على حدودها , وأركانها , وجاهد نفسه في دفع الوساوس , والأفكار ، فهو مشغول بمجهادة عدوه لئلا يسرق صلاته ، فهو في صلاة , وجهاد .

الرابع : من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها , وأركانها , وحدودها ، واستغرق قلبه مراعاة حدودها , وحقوقها ؛ لئلا يضيع شيئا منها ، بل همه كله مصروف إلى إقامتها _ كما ينبغي _ وإكمالها وإتمامها ، قد استغرق قلبه شأن الصلاة , وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها .

الخامس : من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه , ووضعه بين يدي ربه عز وجل ، ناظرا بقلبه إليه ، مراقبا له ، ممتلئا من محبته وعظمته ، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات ، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه ، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أعظم مما بين السماء والأرض ، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به .

فالقسم الأول معاقب ، والثاني محاسب ، والثالث مكفّر عنه ، والرابع مثاب ، والخامس مقرّب من ربّه ، لأن له نصيبا ممن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، فمن قرّت عينه بصلاته في الدنيا، قرّت عينه بقربه من ربّه عز وجل في الآخرة ، وقرّت عينه أيضا به في الدنيا ، ومن قرت عينه بالله قرّت به كل عين ، ومن لم تقرّ عينه بالله تعالى تقطعّت نفسه على الدنيا حسرات " الوابل الصيب ص : 40

وختاما أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الخاشعين , وأن يتوب علينا أجمعين , وأن يجزي بالخير من ساهم في هذه الرسالة , وأن ينفع من قرأ فيها آمين ، والحمد لله رب العالمين .

محمد بن صالح المنجد .  

هناك تعليق واحد:

back to top